عن الفضل بن موسى قال : " كان الفضيل بن عياض لصا يقطع الطريق ، وكان سبب توبته أنه عشق جارية ، فبينا هو يرتقي الجدران إليها إذ سمع تاليا يتلو : { ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله } ( الحديد : 16 ) ، فلما سمعها قال : بلى يا رب ، قد آن . فرجع فآواه الليل إلى خربة ، فإذا فيها قافلة ، فقال بعضهم : نرحل . وقال بعضهم : حتى نصبح ؛ فإن فضيلا على الطريق يقطع علينا . قال : ففكرتُ وقلت : أنا أسعى بالليل في المعاصي ، وقوم من المسلمين ها هنا يخافوني ؟ ، وما أرى الله ساقني إليهم إلا لأرتدع ، اللهم إني قد تبت إليك ، وجعلت توبتي مجاورة البيت الحرام ".
وعن زاذان قال : " كنتُ غلاما حسن الصوت ، جيّد الضرب بالطنبور ، فكنت مع صاحب لي وعندنا نبيذ وأنا أغنّيهم ، فمر عبدالله بن مسعود ، فدخل فضرب البساط وكسر الطنبور ، ثم قال : لو كان ما يسمع من حسن صوتك يا غلام بالقرآن كنت أنت أنت!! . ثم مضى ، فقلت لأصحابي : من هذا ؟ ، قالوا : هذا عبدالله بن مسعود ، فألقى الله في نفسي التوبة ، فسعيت أبكي وأخذتُ بثوبه ، فأقبل عليّ فاعتنقني وبكى ، وقال لي : مرحبا بمن أحبه الله ، اجلس . ثم دخل وأخرج لي تمرا " .
عن إبراهيم بن بشار قال : " قلت لإبراهيم بن أدهم : كيف كان بدء أمرك ؟ ، قال : كان أولى بك أن تسأل عن غير هذا ، فقلت له : أخبرني ، لعل الله أن ينفعنا به يوما ، فقال : كان أبي من الملوك الموسرين ، وحُبب إلينا الصيد ، فركبت ذات مرة فثار أرنب أو ثعلب ، فحرّكت فرسي نحوه ، فسمعت نداء من ورائي : ليس لذا خلقت ولا بذا أمرت . فوقفت أنظر يمنة يمنة ويسرة فلم أر أحدا ، فقلت : لعن الله إبليس . ثم حرّكت فرسي ، فأسمع نداء أقوى من الأول : يا إبراهيم ، ليس لذا خلقت ولا بذا أمرت . فوقفت أنظر ، فلا أرى أحدا ، فقلت : لعن الله إبليس . فأسمع نداء من عند سرجي بذاك ، فقلت : انتصحت انتصحت !! ، جاءني نذير ربي ، والله لا عصيت الله بعد يومي ما عصمني الله . فرجعت إلى أهلي ، فخليت فرسي ثم جئت إلى رعاة لأبي ، فأخذت جبة كساء وألقيت ثيابي إليهم ، ثم أقبلت إلى العراق ، فعملت بها أياما فلم يصْفُ لي منها الحلال ، فقيل لي : عليك بالشام ، ولم أزل هناك ".
وكان بشر بن الحارث في زمن لهوه في داره ، وعنده رفقاؤه يشربون ويطربون ، فاجتاز بهم رجل من الصالحين ، فدقّ الباب ، فخرجت إليه جارية فقال لها :" صاحب هذه الدار حر أو عبد ؟ " ، فقالت : " بل حر " ، فقال : " صدقت ؛ لو كان عبدا لاستعمل أدب العبودية ، وترك اللهو والطرب " . فسمع بشر محاورتهما ، فسارع إلى الباب حافيا حاسرا، وقد ولّى الرجل ، فقال للجاريه : " ويحك ، من كلمك على الباب ؟ " ، فأخبرته بما جرى ، فقال : " أي ناحيه أخذ هذا الرجل ؟ " ، فقالت : " كذا " ، فتبعه بشر حتى لحقه ، فقال له : " أنت يا سيدي وقفت بالباب وخاطبت الجاريه ؟ " ، قال : " نعم " ، قال : أعد علي الكلام " ، فأعاده ، فمرّغ بشر خدّه على الأرض وقال : " بل عبد! عبد!! " ، ثم هام على وجهه حافيا حاسرا ، حتى عُرف بالحفاء ، فقيل له : " لم لا تلبس نعالا ؟ " ، قال : " لأني ما صالحني مولاي إلا و أنا حاف ، فلا أزول عن هذه الحاله حتى الممات " .