هذا التخريج للألباني ولعل فيه كفاية لك يا أخي القارئ
قال الألباني في " السلسلة الضعيفة و الموضوعة " ( 2 / 17 )
533- " ، و ما رآه المسلمون سيئا فهو عند الله سيء " .
لا أصل له مرفوعا . و إنما ورد موقوفا على ابن مسعود قال : " إن الله
نظر في قلوب العباد فوجد قلب محمد صلى الله عليه وسلم خير قلوب العباد ،
فاصطفاه لنفسه ، فابتعثه برسالته ، ثم نظر في قلوب العباد بعد محمد صلى الله
عليه وسلم فوجد قلوب أصحابه خير قلوب العباد ، فجعلهم وزراء نبيه ، يقاتلون على
دينه فما رأى المسلمون ...... " إلخ . أخرجه أحمد ( رقم 3600 ) و الطيالسي في "
مسنده " ( ص 23 ) و أبو سعيد ابن الأعرابي في " معجمه " ( 84 / 2 ) من طريق
عاصم عن زر بن حبيش عنه . و هذا إسناد حسن . و روى الحاكم منه الجملة التي
أوردنا في الأعلى و زاد في آخره : " و قد رأى الصحابة جميعا أن يستخلفوا أبا
بكر رضي الله عنه " و قال : " صحيح الإسناد " و وافقه الذهبي . و قال الحافظ
السخاوي : " هو موقوف حسن " . قلت : و كذا رواه الخطيب في " الفقيه و المتفقه "
( 100 / 2 ) من طريق المسعودي عن عاصم به إلا أنه قال : " أبي وائل " بدل " زر
بن حبيش " . ثم أخرجه من طريق عبد الرحمن بن يزيد قال : قال عبد الله : فذكره .
و إسناده صحيح . و قد روي مرفوعا و لكن في إسناده كذاب كما بينته آنفا . و إن
من عجائب الدنيا أن يحتج بعض الناس بهذا الحديث على أن في الدين بدعة حسنة ، و
أن الدليل على حسنها اعتياد المسلمين لها ! و لقد صار من الأمر المعهود أن
يبادر هؤلاء إلى الاستدلال بهذا الحديث عندما تثار هذه المسألة و خفي عليهم . أ
- أن هذا الحديث موقوف فلا يجوز أن يحتج به في معارضة النصوص القاطعة في أن "
كل بدعة ضلالة " كما صح عنه صلى الله عليه وسلم .
ب - و على افتراض صلاحية الاحتجاج به فإنه لا يعارض تلك النصوص لأمور : الأول :
أن المراد به إجماع الصحابة و اتفاقهم على أمر ، كما يدل عليه السياق ، و يؤيده
استدلال ابن مسعود به على إجماع الصحابة على انتخاب أبي بكر خليفة ، و عليه
فاللام في " المسلمون " ليس للاستغراق كما يتوهمون ، بل للعهد . الثاني : سلمنا
أنه للاستغراق و لكن ليس المراد به قطعا كل فرد من المسلمين ، و لو كان جاهلا
لا يفقه من العلم شيئا ، فلابد إذن من أن يحمل على أهل العلم منهم ، و هذا مما
لا مفر لهم منه فيما أظن . فإذا صح هذا فمن هم أهل العلم ؟ و هل يدخل فيهم
المقلدون الذين سدوا على أنفسهم باب الفقه عن الله و رسوله ، و زعموا أن باب
الاجتهاد قد أغلق ؟ كلا ليس هؤلاء منهم و إليك البيان : قال الحافظ ابن عبد
البر في " جامع العلم " ( 2 / 36 - 37 ) : " حد العلم عند العلماء ما استيقنته
و تبينته ، و كل من استيقن شيئا و تبينه فقد علمه ، و على هذا من لم يستيقن
الشيء ، و قال به تقليدا ، فلم يعلمه ، و التقليد عند جماعة العلماء غير
الاتباع ، لأن الاتباع هو أن تتبع القائل على ما بان لك من صحة قوله ، و
التقليد أن تقول بقوله و أنت لا تعرفه و لا وجه القول و لا معناه " <1> . و
لهذا قال السيوطي رحمه الله : " إن المقلد لا يسمى عالما " نقله السندي في
حاشية ابن ماجة ( 1 / 7 ) و أقره . و على هذا جرى غير واحد من المقلدة أنفسهم
بل زاد بعضهم في الإفصاح عن هذه الحقيقة فسمى المقلد جاهلا فقال صاحب " الهداية
" تعليقا على قول الحاشية : " و لا تصلح ولاية القاضي حتى ... يكون من أهل
الاجتهاد " قال ( 5 / 456 ) من " فتح القدير " : " الصحيح أن أهلية الاجتهاد
شرط الأولوية ، فأما تقليد الجاهل فصحيح عندنا ، خلافا للشافعي " . قلت : فتأمل
كيف سمى القاضي المقلد جاهلا ، فإذا كان هذا شأنهم ، و تلك منزلتهم في العلم
باعترافهم أفلا تتعجب معي من بعض المعاصرين من هؤلاء المقلدة كيف أنهم يخرجون
عن الحدود و القيود التي وضعوها بأيديهم و ارتضوها مذهبا لأنفسهم ، كيف يحاولون
الانفكاك عنها متظاهرين بأنهم من أهل العلم لا يبغون بذلك إلا تأييد ما عليه
العامة من البدع و الضلالات ، فإنهم عند ذلك يصبحون من المجتهدين اجتهادا مطلقا
، فيقولون من الأفكار و الآراء و التأويلات ما لم يقله أحد من الأئمة المجتهدين
، يفعلون ذلك ، لا لمعرفة الحق بل لموافقة العامة ! و أما فيما يتعلق بالسنة و
العمل بها في كل فرع من فروع الشريعة فهنا يجمدون على آراء الأسلاف ، و لا
يجيزون لأنفسهم مخالفتها إلى السنة ، و لو كانت هذه السنة صريحة في خلافها ،
لماذا ؟ لأنهم مقلدون ! فهلا ظللتم مقلدين أيضا في ترك هذه البدع التي لا
يعرفها أسلافكم ، فوسعكم ما وسعهم ، و لم تحسنوا ما لم يحسنوا ، لأن هذا اجتهاد
منكم ، و قد أغلقتم بابه على أنفسكم ؟! بل هذا تشريع في الدين لم يأذن به رب
العالمين ، *( أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله )* و إلى
هذا يشير الإمام الشافعي رحمة الله عليه بقوله المشهور : " من استحسن فقد شرع "
. فليت هؤلاء المقلدة إذ تمسكوا بالتقليد و احتجوا به - و هو ليس بحجة على
مخالفيهم - استمروا في تقليدهم ، فإنهم لو فعلوا ذلك لكان لهم العذر أو بعض
العذر لأنه الذي في وسعهم ، و أما أن يردوا الحق الثابت في السنة بدعوى التقليد
، و أن ينصروا البدعة بالخروج عن التقليد إلى الاجتهاد المطلق ، و القول بما لم
يقله أحد من مقلديهم ( بفتح اللام ) ، فهذا سبيل لا أعتقد يقول به أحد من
المسلمين . و خلاصة القول : أن حديث ابن مسعود هذا الموقوف لا متمسك به
للمبتدعة ، كيف و هو رضي الله عنه أشد الصحابة محاربة للبدع و النهي عن اتباعها
، و أقواله و قصصه في ذلك معروفة في " سنن الدارمي " و " حلية الأولياء " و
غيرهما ، و حسبنا الآن منها قوله رضي الله عنه : " اتبعوا و لا تبتدعوا فقد
كفيتم ، عليكم بالأمر العتيق " . <2> فعليكم أيها المسلمون بالسنة تهتدوا و
تفلحوا .
-----------------------------------------------------------
[1] قلت : تأمل هذا النص من هذا الإمام و نقله عن العلماء التفريق بين الاتباع
و التقليد ، و عض عليه بالنواجذ ، فإنه من العلم المجهول اليوم حتى عند كثير من
حملة شهادة الدكتوراة الشرعية ، فضلا عن غيرهم . بل إن بعضهم يجادل في ذلك أسوأ
المجادلة ، و يكابر فيه أشد المكابرة ، و إن شئت التفصيل فراجع كتاب " بدعة
التعصب المذهبي " لصاحبنا الأستاذ الفاضل محمد عيد عباسي ( ص 33 - 39 ) .
[2] راجع تخريجه مع بعض الآثار الأخرى في رسالتي : " الرد على التعقيب الحثيث "
قال الألباني في " السلسلة الضعيفة و الموضوعة " ( 2 / 16 ) :
532 - " إن الله نظر في قلوب العباد فلم يجد قلبا أنقى من أصحابي ، و لذلك اختارهم ، فجعلهم أصحابا ، فما استحسنوا فهو عند الله حسن ، و ما استقبحوا فهو عند الله قبيح " .
موضوع . رواه الخطيب ( 4 / 165 ) من طريق سليمان بن عمرو النخعي : حدثنا
أبان بن أبي عياش و حميد الطويل عن أنس مرفوعا . و قال : " تفرد به النخعي
" . قلت : و هو كذاب كما سبق مرارا ، أقربها الحديث ( 529 ) و لهذا قال الحافظ
ابن عبد الهادي : " إسناده ساقط ، و الأصح وقفه على ابن مسعود " . نقله في "
الكشف " ( 2 / 188 ) و يعني بالموقوف الحديث الآتي : " ما رأى المسلمون حسنا
فهو عند الله حسن ، و ما رآه المسلمون سيئا فهو عند الله سيء " .