جمرات في رياح الزمن
محمد خليل الزَّرُّوق
يا أيها الزمن الماضي لوجهته
ارجع بنا يومَ كنا قبلَ نفترقُ
حيث الأمانِيُّ سَكْرَى لا تفيق بنا
ونحن في إثرها ماضون نَسْتَبِقُ
لا شيء يقلقنا إلا تباعدُها
لكننا في جَدَا ميعادها نثقُ
لو أيقنَتْ أنه لا رَجْعَ تأمُله
منها - لَمَا ادَّخَرَتْ من دمعها الْحَدَقُ
يومٌ ويومٌ ، وشهرٌ بعده سنةٌ
وبعدها سنوات ، طالت الْحِلَقُ
لا ذِكْرُكم يَمَّحي من خاطري أبدًا
ولا تَمَهَّدَتِ الأسبابُ والطُرُقُ
ما زلتمُ في دمي شوقًا يؤرِّقني
فلا عَدِمْتُكَ يومًا أيها الأرَقُ
ولم يزل طيفُك المعشوقُ يطرقني
وإن نَظَرْتُ فمنهُ يُحجَب الأفُقُ
وإن تسمَّعْتُ أسمعْ منك وسوسة
وإن تنفَّسْتُ ضاع الطيبُ والعَبَقُ
وإن تكلَّمْتُ راقبْتُ الحديثَ عسى
أن لا يُزِلَّ لساني بالهوى النَّزَقُ
وإن شَرِبْتُ أراعي من يقول عسى
أن لا يجيء بذكرٍ عنده الشَّرَقُ
وإن مشيت تصفَّحتُ الوجوه عسى
أن يبدي الدَّرْبُ وجهًا شِبْهُهُ الفَلَقُ
كلُّ النفوس جميعٌ في أماكنها
ونفس هذا الفتى من حبكم فِرَقُ
* * *
يا أيها الزمن الماضي لوجهته
في ريح جَرْيك ما تَستوقِدُ الْحُرَقُ
مهلاً رويدًا وإشفاقًا عليَّ ، ففي
بُعْد الحبيب وبُعْد العهد لي رَهَقُ
وَيْلي على ذلك الحسن الذي سُرقت
نفسي به العمرَ ، والمطلوبُ مَن سَرَقُوا
ذاك الشبابُ ، وذاك الدَّلُّ ، مذ بَعُدا
عني ، وذاك ا لهوى المشبوب يأتلقُ
ما كان ظني أن الحسن أجمعَه
والعقلَ والسَّمْتَ في شخص لها نَسَقُ
والظَّرْفَ واللفظَ أحلاه وآنقَه
ونَغْمةً غضَّ منها المنطق اللَّبِقُ
في كل يوم جديدٌ من تشوِّقنا
كأنما هو منقوصٌ له لَحَقُ
كأنما بدؤه مذ أنني عَلَقُ
وعُمْرُه بعدَ ما روحي به رَمَقُ
* * *
يا أيها الزمن الماضي لوجهته
قف ، إن موجك في تياره الغَرَقُ
هذي حياتي أباديدٌ أفرِّقها
روحي المشرَّدُ لم يهدأ به القلقُ
قف يبحثِ القلب عمن كان بَلْبَله
وما له غيرُه يرضاه أو يَمِقُ
ظمآنُ أَسْوانُ من ركض الزمان بنا
والماء عند حبيبي طيِّب غَدَقُ
يكفي الذي كان في عشرين تعرفها
ماذا يُبَقِّي لقلبي سيرُك العَنَقُ ؟
فليس حِبِّي كأحباب الأنام ، ولا
عشقي له مثلَ عشق الناس إذ عشقُوا
__________________
محمد خليل الزروق
المشرف على مجلة الرقيم الأدبية
بنغازي - ليبيا
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]