رسالة من قلب المحنة
أهلي الكرماء الأوفياء :
جادت عليّ الأحلام بما ضنت به الأيام والأعوام ، فما أقصاه واقع اليقظة عني إلا أدناه طيف النوم مني ، وما منعته الرؤية البصرية إلا ومنحته الرؤيا المنامية ، وما تمنيت أن ألقاكم إلا وكانت على مرآة القلب رؤياكم.
فما ألطف الله بنا وأرحمه ! إذ هوّن صعاب المحنة علينا ورد قسوة الدهر عنا.
منعوني قربكم... حرموني وصالكم ـ ولو بالكتابة إليكم ـ ردحاً من الزمان في أسر عزّت فيه الأقلام وشحت فيه الأوراق... في سجن أضحت الكتابة فيه رجساً من عمل الشيطان واجب الاجتناب، من اقترفته يداه استوجب أشد العقاب.
وإن كنت قد افتقدت القلم فقد ملكت مداد الشوق إليكم أو الورق فقد امتلكت صحائف الحب لكم.
وهاهو الدهر قد فغر فاه مبتسماً في قلب المحنة وقد ألقى بين أناملي قلماً وقرطاساً، وها أنا أكتب لكم لأول مرة بعد تلك السنين العجاف.
وي كأنّ القلم يتراقص بين أصابعي طرباً للسعادة التي رآها ارتسمت على وجهي وجوارحي بالكتابة إليكم ، فراح يقبل رفيقة دربه وصديقة عمره بعد طول غياب واشتياق ، ينثر مداده على سطورها ليصوغ لكم أحلى الكلمات أرق الألفاظ وأجمل العبارات.
لا اخفي عليكم سراً ، لقد تساقطت أوراق الذاكرة في خريف الأسر وعاصفة القهر ، فنسيت كثيراً وتناسيت كثيراً ؛ ولكن ما زالت أيكة ذكراكم عندي وارفة الظلال يانعة الثمار غضة الأفنان باسقة الأغصان تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها.
فيا ليت الأيام تجود لي بلقائكم وتحلو بجواركم ، فكم كنت أود أن أكون لكم أرضاً ذلولاً تسيرون عليها ، فأنتم لي سماء أرنو إليها.
ابنكم